4 طرق لتجعل أماكن العمل مناسبة للموظفين المتنوعين عصبياً

تعاني إحدى الموظفات من اضطراب نقص الانتباه مع فرط النشاط (ADHD)، وأصابَتها الحيرة حينما حصلت على وظيفة أحلامها في مجال المبيعات؛ فقد استمتعت بعملها ولكنَّها أدركت أنَّها لم تكن بيئة عمل تتسم بالشمول، ومن ثم لن تتمكَّن من النجاح بصفتها موظفة متنوعة عصبياً؛ فتطلَّب العمل منها القيام بالعديد من المهام الرتيبة، مثل الاتصال بحوالي 60 شخصاً يومياً.



حاولت البحث عن طرائق للتكيف مع العمل، فتغيرت مهمتها من الاتصال بالناس إلى البحث عن العملاء المحتملين شخصياً، ولكنَّ الأمور تعقدت أكثر، واضطرَّت لتقييم مسارها المهني بعد أن نجت من حالة طبية خطيرة وخضعت لعملية جراحية كادت أن تنهي حياتها.

فكرت بأنَّها يجب أن تعمل في مجال تترك من خلاله أثراً ملموساً؛ فركزت على شغفها بالأشخاص من ذوي الاحتياجات الخاصة، ورغبتها في العمل في بيئة تتسم بالشمول، وكما حدث مع معظم الأشخاص قادتها الاضطرابات التي أحدثها انتشار جائحة كورونا وتغير مسارها الوظيفي إلى ما كانت بحاجة إليه بالضبط، فهي الآن المديرة المحلية في شركة "بينيد لايف" (Bened Life)، وتتشاور مع القادة عن كيفية توفير بيئة عمل تناسب الأشخاص المتنوعين عصبياً.

وفقاً لبحث نُشر في النشرة الطبية البريطانية (British Medical Bulletin) عام 2020، "تبلغ نسبة جميع الأقليات المتنوعة عصبياً بين السكان حوالي 15-20% تقريباً"، ومع ذلك يواجه الأفراد المتنوعون عصبياً، ولا سيما الذين يعانون من طيف التوحد صعوبةً في العثور على عمل.

لقد أعلنت شركات، مثل "مايكروسوفت" (Microsoft) مؤخراً عن نيتها على خفض معدلات البطالة وتوظيف المواهب المتنوعة عصبياً، كما أنشأ بعض أرباب العمل بالفعل ثقافة تنظيمية تحتضن الموظفين المتنوعين عصبياً، بينما يتعرف بعضهم الآخر الآن إلى واقع وضعهم والمقصود بالضبط من المصطلح هذا، فيشير "التنوع العصبي" (neurodiversity) إلى الحالات الصحية بوصفها اختلافات، وليست عجزاً، وعادةً يعاني الموظفون المتنوعون عصبياً من إحدى الحالات الآتية، وذلك وفقاً لمركز "كليفلاند كلينك" (Cleveland Clinic):

  • اضطراب طيف التوحد (ASD).
  • اضطراب نقص الانتباه مع فرط النشاط (ADHD).
  • متلازمة داون (Down syndrome).
  • عسر الحساب (Dyscalculia)، عسر الكتابة (dysgraphia)، عسر القراءة (dyslexia) أو خلل الأداء التنموي (dyspraxia).
    الإعاقة الذهنية.
  • حالات الصحة النفسية، مثل اضطراب ثنائي القطب (bipolar disorder) أو الوسواس القهري (obsessive-compulsive disorder).
  • اضطرابات المعالجة الحسية (Sensory processing disorders).
  • القلق الاجتماعي (Social anxiety).
  • متلازمة توريت (Tourette’s Syndrome)، أو متلازمة ويليامز (Williams syndrome)، أو متلازمة برادر- فيلي (Prader-Willi syndrome).

4 طرق لتجعل أماكن العمل مناسبة للموظفين المتنوعين عصبياً:

لدى القادة والمديرين في مكان العمل فرصة فريدة لجعل بيئات العمل ملائمة لجميع الموظفين، ومن ذلك أولئك المتنوعون عصبياً، وإليك فيما يأتي 4 طرائق لتحقيق ذلك:

1. تقييم ممارسات التوظيف:

عليك الانتباه إلى تحيزاتك؛ فهل تبادر في البحث عن المرشحين المتنوعين عصبياً دون أن تهمك احتياجاتهم المحددة، أم تتقصد تجاهل المرشحين الذين يذكرون أنَّهم متنوعون عصبياً؟

يقدم المدرب المهني "كايل إليوت" (Kyle Elliott) الاستراتيجيات التالية لإرساء ثقافة الشمول في الشركات بقوله:

"إحدى الخطوات التي يمكن للقادة اتخاذها لدعم موظفيهم المتنوعين عصبياً هي تقييم عمليات التوظيف، وذلك لأنَّها النقطة الأولى التي تتواصل من خلالها المواهب المحتملة مع الشركة، لذا خذ ما يكفي من الوقت لمراجعة كيف يتعرف المرشحون المحتملون إلى مؤسستك وقيم الصحة النفسية، إضافة إلى الفوائد والموارد التي تقدمها".

قد يكون من المفيد أن يدخل مديرو التوظيف الذين يتعرفون إلى أفضل الممارسات لتوظيف فريق عمل متنوع عصبياً، في شراكة مع إحدى الجهات، فقد دخل "براد أندرسون" (Brad Anderson)، مؤسس وكالة "فرويشن" (Fruition) للتسويق الرقمي وتطوير الويب، في شراكة مع منشئي برنامج "ليدز + تيكستارز إليفيت" (Leeds + TechStars Elevate) التابع لجامعة "كولورادو" (CU)، فتواصل مع أول موظف متنوع عصبياً عيَّنه، والذي كان يتمتع بقدرات استثنائية في الرياضيات والإحصاء، ولكنَّه كان يواجه صعوبة في الاحتفاظ بوظيفة.

يُنصح بالتواصل مع الجهات التي تساعد على تعيين المرشحين المتنوعين عصبياً في مناصب تُعد جزءاً من عمليات التوظيف المستمرة؛ فشواغر العمل النمطية هذه ليست في متناول "بعضهم"، لذا تملك المنظمات غير الربحية رعاة ومدافعين عن الوظائف للمساعدة على إرشادهم إلى الوظيفة المناسبة التي تناسب احتياجاتهم.

أجرى "كولين ويليس" (Colin Willis) مدير برنامج علم النفس في شركة "هاير فيو" (HireVue)، بحثاً أفاد فيه أنَّ استخدام الألعاب في التوظيف يقلل من استبعاد الموظفين المتنوعين عصبياً دون أي مبرر، وهذا الأمر الذي يحدث باستمرار في عمليات التوظيف التقليدية.

يقول "ويليس": "تتسم التقييمات القائمة على الألعاب بميزات تفاعلية أكثر ويسهل الوصول إليها، ويمكن إجراؤها في أي مكان وزمان، فتُقدَّم إما بطريقة الحاسوب أو الهاتف الذكي، وهذا يجعلها ملائمة للغاية مقارنة بالطرائق التقليدية لتقييم المرشحين، مثل المقابلات، لذا يمكن أن يؤدي التعرف إلى الطرائق البديلة لإجراء المقابلات والنظر فيها إلى إنصاف الأشخاص المتنوعين عصبياً".

شاهد بالفديو: 6 إجراءات يعزز بها القادة الناجحون التعاون في فرقهم

2. إجراء نقاشات مفتوحة عن تسهيلات العمل:

لا يتقبل جميع الموظفين الكشف عن وضعهم، كما أنَّهم ليسوا مضطرين قانونياً إلى ذلك، ولكن يجب أن يُجري القادة نقاشات مفتوحة مع جميع الموظفين عن التسهيلات التي قد تعزز احتمال نجاح الشخص في وظيفته، وليس توجيه الحديث إلى مَن "يشتبهون" بأنَّه متنوع عصبياً؛ وهذا يجنِّب القادة الوقوع في فخ الصور النمطية، فلا وجود لترتيبات عمل معينة تناسب الجميع.

على سبيل المثال: إذا كان أحد الموظفين المتنوعين عصبياً يعاني من حساسية العين للضوء، ويحتاج إلى نظارات تحمي عينيه من الأشعة الزرقاء، فقد يعتقد رب العمل أنَّ غيره من الموظفين يحتاجون إلى تسهيلات في العمل أيضاً، ولكنَّ تقديم عدد كبير من التسهيلات المختلفة قد يسبب الارتباك لأرباب العمل ويثير خوفهم، إلا أنَّ الأمر برمته عبارة عن سوء فهم، ولا يتطلب غير إجراء نقاش مفتوح يتيح لكل موظف الإفصاح عن احتياجاته؛ وذلك بدلاً من أن يخمنها رب عمل.

عملت الموظفة التي أتينا بذكرها في بداية المقال مع أحد أعضاء الفريق المصابين بالتوحد، والذي أفصح في أحد الاجتماعات عن أنَّه بحاجة إلى تسهيلات في مجال الإدارة المالية؛ لأنَّ وضعه لم يسمح له بالتعامل مع ذلك، وعندما اقترحت الشركة إضافة النفقات إلى البطاقة الائتمانية، ومن ثم استخدامها لسداد نفقات السفر، وضَّح الموظف أنَّه يواجه مشكلة حقيقية في التعامل مع الأرقام وتنظيم أمواله، كما أنَّه يخشى الحصول على بطاقة ائتمانية.

كان الحل بسيطاً في النهاية، وهو أن يرتب مصاريف سفره في وقت مبكر، وعلى المديرين المباشرين إجراء محادثات مع الموظفين الجدد عن الترتيبات التي من شأنها أن تعزز نجاحهم بشكل دوري، كإجراء اجتماعات ربع سنوية؛ لأنَّه بعد مرور فترة لهم في العمل ستتضح حاجاتهم الخاصة أو ما إذا كانوا يعانون من الإرهاق جراء العمل في منصب معين.

إليك فيما يأتي الأسئلة التي من الممكن أن تطرحها على الموظف المتنوع عصبياً خلال هذه المحادثات:

  • هلَّا تخبرني قليلاً عن نفسك؟
  • ما الذي يجعلك تعمل على نحو أفضل؟
  • ما هي الأشياء التي تواجه صعوبة فيها في أثناء العمل؟
  • هل تحتاج إلى بعض التسهيلات؟

3. الالتزام بالتعليم:

لا يجب أن تكتفي الشركة بتقديم التسهيلات والحلول للمشكلات التي تواجه الموظفين؛ بل عليها أن تعمل على تعليمهم وتطويرهم أيضاً؛ فإذا أرادوا تحسين مهاراتهم في الإدارة المالية مثلاً، فسوف يشرح لهم أشخاص الاستراتيجيات التي نجحت معهم، فمن الرائع أن يرغب القائد بمنح وقته لتوفير تلك الموارد.

لدى رب العمل فرصة لتعزيز شخصية الفرد ومهاراته، ولا ينبغي أن يقتصر ذلك على الموظفين المتنوعين عصبياً فقط؛ فتنمية الموظفين هي توجُّه ازدادت شعبيته في السنوات الأخيرة، والفكرة هي أنَّ الشركة التي تستثمر في نمو الموظف، سوف تستمر في الاستثمار في الشركة.

إقرأ أيضاً: 8 طرق تجعل شركتك بيئة عمل مريحة

4. توفير مساحات وجداول عمل ملائمة للجميع:

تعاني المديرة التنفيذية "تارا فورياني" (Tara Furiani) من عسر القراءة واضطراب فرط النشاط ونقص الانتباه واضطراب الهلع، لذا تعمل في أماكن لا يوجد فيها سوى القليل من الأشخاص، أو تستخدم سماعات الرأس إذا كانت تعمل عن بعد، وتقدم "تارا" نصائح لأرباب العمل بقولها:

"بادروا إلى إنشاء مكان عمل شامل وملائم؛ وذلك من خلال توفير تسهيلات، مثل ساعات العمل المرنة، والتواصل الواضح، وإجراء تدريب يعرِّف المديرين وزملاء العمل بالتنوع العصبي، إضافة إلى ذلك، عززوا ثقافة التقبُّل بحيث يشعر الأفراد الذين يعانون من حالات من التنوع العصبي بالراحة في الكشف عن حالتهم وطلب التسهيلات".

تقول "تارا" إنَّ ساعات العمل المرنة أفادتها كثيراً؛ إذ تأتيها دفعات من الطاقة الإبداعية في ساعات ليست مخصصة للعمل عادة، ولا سيما في الصباح الباكر، وكانت القدرة على العمل خلال تلك الأوقات أمراً هاماً في تحسين إنتاجيتها، كما ساعدتها القدرة على العمل من المنزل في إدارة اضطراب الهلع الذي تعاني منه؛ فيتيح لها ذلك إنشاء بيئة هادئة وآمنة لنفسها، وتجنُّب العوامل التي قد تسبب لها القلق.

تؤكد "جيسيكا تومان" (Jessica Tuman)، وهي مديرة تنفيذية في شركة "فويا فاينانشال" (Voya Financial) ورئيسة برنامج "فويا كيرز" (Voya Cares) التابع للشركة، والمتخصص في التخطيط المالي والدفاع عن حقوق ذوي الاحتياجات الخاصة؛ على أهمية التواصل الواضح منذ المقابلة الأولى وحتى فترة التوظيف.

تقول "جيسيكا": "يجب تدريب المديرين على تقديم تعليمات مفصلة عن المهام التي يسندونها إلى الموظفين وتجنُّب أي غموض بشأنها؛ إذ يجب أن تحدد بوضوح أمور قد تبدو بديهية، مثل ترتيب المهام وفق أهميتها أو معايير الأداء، كما يستفيد الموظفون المتنوعون عصبياً عندما تطرح عليهم أسئلة للاستفسار عن حاجاتهم مسبقاً، وتتجنب أي سوء فهم في نواياهم؛ وذلك نتيجة غياب التواصل البصري أو إظهار تعبير وجه "غير مناسب"، وخلاصة القول، يجب ألا ننسى أنَّ القليل من التعاطف والتفاهم يمكن أن يؤثر تأثيراً عميقاً في نجاح الموظفين المتنوعين عصبياً".

إقرأ أيضاً: 7 أسئلة هامة يطرحها الموظفون عن بيئة العمل

في الختام:

من خلال تبني هذه الخطوات الأربعة، يمكن للشركات إنشاء أماكن عمل أكثر ملاءمة للموظفين المتنوعين. حيث سيؤدي ذلك إلى خلق بيئة عمل أكثر إيجابية وإنتاجية للجميع.




مقالات مرتبطة